- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيَّته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ ، أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أصدق الحديث كلام الله عز وجل وكتابه :
أيها الأخوة الكرام ؛ سنّ النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام العشرة المباركات من ذي الحجة أن نكثر من ذكر الله عز وجل ، وأردت أن يكون موضوع هذه الخطبة ذكر الله عز وجل . فبينما أنا أستعرض الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن الإكثار من ذكر الله عز وجل ، إذا أنا بحديث شريف في الجامع الصغير ، رقمه التاسع بعد الألف والستمئة ، رواه البيهقي في الدلائل عن ابن مسعود ، ويبدو أن هذا الحديث خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام :
((أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وأوثق العرى كلمة التقوى ، وخير الملل ملة إبراهيم ، وخير السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأشرف الحديث ذكر الله ، وأحسن القصص هذا القرآن ، وخير الأمور عوازمها ، وشر الأمور محدثاتها ، وأحسن الهدي هدي الأنبياء ، وأشرف الموت قتل الشهداء ، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى ، وخير العلم ما نفع ، وخير الهدى ما اتبع ، وشر العمى عمى القلب ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى ، وشر المعذرة حين يحضر الموت ، وشر الندامة يوم القيامة ، ومن الناس لا يأتي الصلاة إلا دبرا ، ومنهم لا يذكر الله إلا هجرا ، وأعظم الخطايا اللسان الكذوب ، وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوى ، ورأس الحكمة مخافة الله ، وخير ما وقر في القلوب اليقين ، والارتياب من الكفر ، والنياحة من عمل الجاهلية ، والغلول من جمر جهنم ، والكنز كي من النار ، والشعر من مزامير إبليس ، والخمر جماع الإثم ، والنساء حبالة الشيطان ، والشباب شعبة من الجنون ، وشر المكاسب كسب الربا ، وشر المآكل مال اليتيم ، والسعيد من وعظ بغيره ، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع ، والأمر بآخره ، وملاك العمل خواتيمه ، وكل ما هو آت قريب وسباب المؤمن فسوق ، وقتال المؤمن كفر ، وأكل لحمه من معصية الله تعالى ، وحرمة ماله كحرمة دمه ، ومن يتألّ على الله يكذبه ، ومن يغفر يغفر الله له ، ومن يعف يعف الله عنه ، ومن يكظم الغيظ يأجره الله ، ومن يصبر على الرزية ، يعوضه الله ، ومن يتبع السمعة يسمع الله به ، ومن يصبر يضعف الله له ، ومن يعص الله يعذبه ، اللهم اغفر لي ولأمتي ، اللهم اغفر لي ولأمتي ، أستغفر الله لي ولكم))
أيها الأخوة الكرام ؛ إن أصدق الحديث كلام الله عز وجل ، وكتاب الله عز وجل، لأن كلام الله قطعي الثبوت ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إذا أردت كتاباً لا يمكن أن تجد فيه خطأً أو انحرافاً أو زوراً فعليك بكتاب الله ، لأن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، إنما يأتي الكذب من سوء فهمنا له ، إنما يأتي الكذب من توهم الظن بفهم بعض آياته ، لكن آياته كلها قطعية الثبوت .
كلمة التقوى أوثق العرى :
أيها الأخوة الكرام ؛ وأوثق العرى كلمة التقوى ، فما كلمة التقوى ؟ قال شرَّاح الحديث : كلمة التقوى هي لا إله إلا الله ، إنك إن وحدت الله جلّ جلاله استقمت على أمره ، وإن استقمت على أمره كانت هذه الكلمة من أوثق العرى التي تشدك إلى هذا الدين ، لو سألت : ما السبيل إلى الطاعة ؟ الجواب : هو التوحيد ، حينما تقطع كل آمالك من زيد أو عبيد ، من فلان أو علان ، وحينما تقطع الأمل من أهل الأرض ، وتتجه إلى إله السماء عندئذ دخلت في التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد . يقول عليه الصلاة والسلام :
((إن أوثق العرى - أي أوثق شيء ، أمتن شيء يشدك للسعادة الأبدية ، يشدك للسلامة ، يشدك للفوز بالدنيا والآخرة - كلمة التقوى))
وكلمة التقوى أضيفت إلى نتيجتها ، إذا وحدت الله عز وجل ، وقلت : لا إله إلا الله بحقها ، دخلت الجنة ، قال عليه الصلاة والسلام :
((من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة ، قيل : وما إخلاصها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله))
وأوثق العرى كلمة التقوى ، والله سبحانه وتعالى أمرنا أن نعلم ، ولم يأمرنا أن نقل، قال :
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
إذا علمنا فحوى هذه الكلمة كلمة التوحيد ، وهذه الكلمة كلمة التقوى ، اتقينا الله عز وجل ، فإذا أردت أن تبحث عن قانون الاستقامة فعليك بكلمة التقوى ، لأنها أوثق العرى، لأنها هي الكلمة التي تشدك إلى طاعة الله ، تشدك إلى ثواب الدنيا ، وإلى سعادة الآخرة .
ملة إبراهيم هي غاية الحب لله مع الولاء و الإخلاص له :
((أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وأوثق العرى كلمة التقوى . . وخير الملل ملة إبراهيم))
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
الغاية الطاعة ، مع غاية الحب ، مع غاية الولاء ، مع غاية الإخلاص ملة إبراهيم .
﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
النبي معصوم بأقواله و أفعاله و إقراره وسنته أشرف السنن :
((وخير السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم))
أقواله سنة ، وأفعاله سنة ، خلافاً لما قيل ، وإقراره سنة ، وصفاته سنة ، وقد عصمه الله عز وجل عن أن يخطئ في أقواله ، وفي أفعاله ، وفي إقراره ، وفي أحواله ، لما عصمه الله عن أن يخطئ أمرنا أن نتبعه قال :
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
((وخير السنة سنة محمد صلى الله عليه وسلم وأشرف الحديث ))
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
الإنسان هو المخلوق الأول ، المكرم بالبيان ، هذه القدرة التعبيرية كيف توظفها أيها الإنسان ؟
((وإن أشرف الحديث ذكر الله ))
والشيء يشرف بمن هو له ، شرف الرسول من شرف المرسل ، وشرف الحديث من شرف المحدث ، وشرف الكتاب من شرف المنزل :
((وإن أشرف الحديث ذكر الله ))
إذا أردت أن تشرف وأن تعظم عند الله وعند الناس فعليك بذكر الله . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً))
((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ))
أشرف قصة هي قصة القرآن لأنها دليل وبرهان على صحة المبدأ :
((وأحسن القصص هذا القرآن ))
طبيعة القصة ممتعة ، وجذابة ، وشائقة ، لأن فيها أشخاصاً يتحركون ، وحوادث تقع ، وتحليلات تذكر ، ودوافع ، وصراعات ، وبيئة ، لكن أشرف قصة تقرؤها هي قصة القرآن الكريم ، القصة التي ذكرها الله في القرآن الكريم ، لأن فيها عبرة ، بل إن بعض العلماء يقول : إن القصة في القرآن الكريم فيها برهان على مبادئه النظرية ، في القرآن مبادئ نظرية ، وفي القرآن قصص ، فالقصة دليل وبرهان على صحة المبدأ ، لذلك قالوا : القصة هي حقيقة مع البرهان عليها ، بل إن بعض المفسرين فسر قوله تعالى - وهو محق بهذا التفسير -
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾
ما تأويله ؟ وقوع الوعد والوعيد ، أفعال الله عز وجل ، الأحداث التي تجري ، إنما هي برهان على صحة المبادئ النظرية التي وردت في القرآن الكريم .
خير الأمور إقامة الفرائض و الابتعاد عن البدع :
((وأحسن القصص هذا القرآن ، وخير الأمور عوازمها))
عوازم الأمر فرائضه ، الصلاة فريضة ، والصيام فريضة ، والزكاة فريضة ، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب هو فريضة ، فأن تقوم بالفرائض هذا من خير ما تفعل .
((وخير الأمور عوازمها ، وشر الأمور محدثاتها ))
طوبى لمن وسعته السنة ، ولم تستهوه البدعة ، ربما بدعة جلبت لك بعض البرامج الترفيهية حجبتك عن الله عز وجل ، وأوقعت الأسرة في فساد كبير :
((وشر الأمور محدثاتها ، وأحسن الهدي - أي أحسن منهج تسير عليه -هدي الأنبياء ، وأشرف الموت قتل الشهداء))
لذلك نهانا ربنا جل جلاله عن أن نسمي الشهيد ميتاً ، قال تعالى :
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾
هذا الذي قدم أثمن ما يملك ليعلي كلمة الله عز وجل هذا لا يموت بل هو عند ربه يُرزق رزقاً حسناً .
الابتعاد عن الضلالة بعد الهدى :
((وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى))
هذا الذي يأخذ الدين من جهات غير موثوقة ، تختلط عنده البدعة بالسنة ، والحقيقة بالوهم ، وما يجوز بما لا يجوز ، عندئذ إذا انسحب من هذا الدين فقد ضلّ ضلالاً بعيداً ، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم . . ابن عمر دينك دينكَ إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا :
((أعمى العمى الضلالة بعد الهدى))
بعد أن تصلي تترك الصلاة ، وبعد أن تعتقد بأحقية هذا الدين تعتقد ببطلانه ، وبعد أن تسلك السلوك الصحيح تنتكس على عقبيك ، هذا من أضل الضلالة ، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى .
العلم حجة لك أو عليك و اتباع سنة النبي علامة الصدق في محبة الله :
((وخير العلم ما نفع ))
العلم ما انتفع به ، فإن لم يُنتفع به كان الجهل أولى ، العلم حجة لك أو عليك ، تعلموا ما شئتم ، فوالله لن تؤجروا حتى تعملوا بما علمتم :
((وخير العلم ما نفع ، وخير الهدى ما اتبع ))
ما قيمة المنهج إن لم يُطبق ؟ ما قيمة السنة إن لم تُتبع ؟ والله سبحانه وتعالى جعل اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام علامة الصدق في محبة الله ، محبة الله قد تُدعى ، وقد تزور ، قال تعالى :
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
استنبط الإمام الشافعي من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحبابه ، اجمع الآيتين .
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
دعواهم أنهم أحباب الله ، إذاً لو أنك محب لله حقيقة لاتبعت سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، وإذا اتبعت سنة النبي عليه الصلاة والسلام فالله سبحانه وتعالى لا يعذبك .
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ :
((بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ : يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ابْنَ جَبَلٍ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))
عمى القلب شرّ العمى :
((وأحسن الهدي هدي الأنبياء ، وأشرف الموت قتل الشهداء ، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى ، وخير العلم ما نفع ، وخير الهدى ما اتبع ، وشر العمى عمى القلب...))
لو أن إنساناً مثلاً يعاني من ضغط الدم المرتفع ، وتناول سكراً فإذا هو ملح ، هذا غلط ، غشته عينه ، تناول الملح مكان السكر ، هذا خطأ لا يتكرر ، لكن إذا اعتقد أن الملح يفيده في مرضه . هذا أعمى العمى . أن يعمى قلبه ، لا أن تعمى عينه ، إذا أخطأت العين فخطؤها لا يتكرر ، أما إذا كان القلب في عمى فهذا القلب الأعمى يسوق إلى الإنسان كل المصائب ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((شر العمى عمى القلب ))
اليد العليا خير من اليد السفلى إذا لم تكن محتاجة :
(( واليد العليا خير من اليد السفلى..))
ولكن اليد العليا خير من اليد السفلى إذا لم تكن محتاجة ، الإنسان إذا أخذ ، وهو ليس بحاجة فاليد العليا خير عند الله عز وجل من اليد السفلى ، ولكن العلماء يقولون : ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ عن حاجة . اليد العليا خير من اليد السفلى إن لم تكن محتاجة ، فإذا كانت محتاجة فالذي يأخذ عن حاجة ليس أقل أجراً من الذي يعطي عن سعة.
((وما قل وكفى ، خير مما كثر وألهى ))
خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً ، الله سبحانه وتعالى أوحى إلى النبي ، والنبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى ، اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً :
((وما قل وكفى ، خير مما كثر وألهى ))
التوبة قبل فوات الأوان :
(( وشر المعذرة حين يحضر الموت))
﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾
هذه ليست توبة ، يجب أن تتوب قبل فوات الأوان ، يجب أن تتوب في الوقت المناسب ، يجب أن تتوب وأنت صحيح ، وأنت شاب ، وأنت غني ، وأنت قوي ، وأنت حي ، أما أن يتوب الإنسان وقد أدركه الغرق فهذه توبة كتوبة فرعون ، قال الله له :
﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
((وشر المعذرة حين يحضر الموت ، وشر الندامة يوم القيامة ))
لأن الندامة لا تنفع .
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :
يا أيها الأخوة الكرام ؛ مرةً ثانية وثالثة أقول لكم : إن خيارك مع الإيمان ليس هو خيار قبول أو رفض ، إنما هو خيار وقت لا غير ، إما أن نؤمن ونحن أصحاء ، ونحن أشداء، ونحن أقوياء ، ونحن شباب ، وإما أن نؤمن بعد فوات الأوان .
﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾
خيارك مع الإيمان خيار وقت ليس غير .
الابتعاد عن الكذب و الرياء :
((ومن الناس لا يأتي الصلاة إلا دبرا ، ومنهم لا يذكر الله إلا هجرا))
أي أن القلب هجر اللسان ، يذكر الله بلسانه وقلبه ساه غافل عن الإخلاص لله عز وجل ، هذا هو الرياء والنفاق .
﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾
يا أيها الأخوة الكرام ؛
((وأعظم الخطايا اللسان الكذوب))
يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة ، لمجرد أن تكذب ، أو أن تخون فقد انخلع الإيمان من قلبك ، المؤمن لا يكذب ، لذلك حينما يبيح لنفسه الكذب يرتكب الغيبة ، وهي من أشدّ المعاصي ، والنميمة ، والبهتان ، ويفعل أكبر المعاصي حينما يبيح لنفسه الكذب ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((وأعظم الخطايا اللسان الكذوب ، وخير الغنى غنى النفس ))
إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك .
خير الزاد التقوى و رأس الحكمة مخافة الله :
((وخير الزاد التقوى))
الزاد الذي يدخل معك في القبر هو طاعتك لله عز وجل ، إنفاقك للمال في سبيل الله ، أداؤك الصلوات ، صيامك رمضان ، حجك البيت ، خير الزاد طاعة الله عز وجل ، لأن كل شيء تتركه في الدنيا ، وانظر إلى الميت ماذا يأخذ معه في قبره .
((ورأس الحكمة مخافة الله ))
قال بعض العلماء : الذي لا يخاف الله ليس عنده شيء من الحكمة ، الحكمة مترابطة مع خوف الله عز وجل ، لذلك ورد في الحديث القدسي :
((يا موسى خف ثلاثاً ، خفني ، وخف نفسك ، وخف من لا يخافني ))
من أيقن بوعد الله و وعيده سار على المنهج القويم :
((وخير ما وقر في القلوب اليقين ))
اليقين بوعد الله ، اليقين بوعيد الله ، اليقين بالجنة ، اليقين بالنار ، اليقين بالصراط المستقيم ، اليقين أن هذا الكتاب كتاب الله ، اليقين أن هذا الهدي هدي رسول الله ، هذه اليقينيات إذا استقرت في القلب سار الإنسان على المنهج القويم ، لذلك قال عليه أتمّ الصلاة والتسليم :
((وخير ما وقر في القلوب اليقين ، والارتياب من الكفر ))
حينما ترتاب في حكم شرعي ، حينما ترتاب في آية ، حينما ترتاب في حديث صحيح ، حينما ترتاب في حكم لله عز وجل .
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
((والارتياب من الكفر ، والنياحة من عمل الجاهلية والغلولة ))
وهي الخيانة الخفية .
((والغلولة من جمر جهنم ))
لو أن شريكاً أخذ مالاً في غفلة عن شريكه ، أو عقد صفقة خارج الشركة من موضوع الشركة ، أو نافس الشركة وجلب ربحاً كبيراً ، الخيانة الخفية هي الغلول ، والغلول من جمر جهنم .
النهي عن الكنز و الشِّعر و الخمر :
((والكنز كي من النار))
وأي مال لم تؤد زكاته هو عند الله كنز ، وأي مال مهما كبر إذا أديت زكاته فليس بكنز .
((والشعر من مزامير إبليس ))
أي شعر هذا ؟ شعر الغزل ، وشعر المديح الكاذب ، وشعر الهجاء الظالم ، وأي غرض من أغراض الشعر إذا كان مخالفاً لمنهج الله عز وجل ، فهذا الشعر من مزامير إبليس لكن الشعر بالحكم الشرعي كلام حسنه حسن ، وقبيحه قبيح .
((والخمر جماع الإثم ))
والله سبحانه وتعالى نهى عن الخمر بأشدّ صيغ النهي ، وهي صيغة الاجتناب ، لذلك : لعن الله شاربها ، ومن باعها ، ومن اشتراها ، ومن حملها ، ومن عصرها ، ومن عصرت له ، وأي طرف في هذا الموضوع ملعون بنص الحديث الشريف .
((والخمر جماع الإثم ))
وقد يفهم بعض العلماء أن الإنسان قد يمتنع عن الزنا لخوفه من الله ، وقد يمتنع عن القتل لخوفه من الله ، وقد يمتنع عن السرقة ، أما إذا شرب الخمر فربما زنا ، وربما قتل ، وربما سرق ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((والخمر جماع الإثم ))
غض البصر و الصبر على الشباب :
((والنساء حبالة الشيطان ))
المأخذ الوحيد المتكرر ، المأخذ القوي الذي ربما يأخذ الإنسان إلى المعصية هي المرأة ، لذلك أمرنا الله عز وجل بغض البصر ، نهانا عن الخلوة .
قال العلماء بقاعدة فقهية : ما حرم فعله حرم استماعه ، وحرم النظر إليه ، أي شيء يقرب الإنسان من الزنا محرم في الشريعة الإسلامية :
((والنساء حبالة الشيطان ))
إن إبليس طلاع رصّاد ، وما هو من فخوخه بأوثق لصيده في الأتقياء من النساء فاتقوا الله واتقوا النساء .
((والشباب شعبة من الجنون ))
أي الأب الذي عنده شاب مراهق ، إن رأى فيه رعونة فهذه مرحلة تمضي ولن تبقى ، لذلك عليه أن يصبر هذه طبيعة النمو ، وهذه طبيعة التحول من مرحلة إلى مرحلة .
الابتعاد عن الربا و أكل مال اليتيم :
((وشر المكاسب كسب الربا ))
لأنه يدمر المجتمع بأكمله ، فالمال إذا ولد المال تجمعت الأموال في أيدٍ قليلة ، وحُرمت منها الكثرة الكثيرة .
((وشر المآكل مال اليتيم ))
قال تعالى :
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾
السعيد من اتعظ بغيره :
((والسعيد من وعظ بغيره ))
سئل بعضهم : من أدبك هذا الأدب ؟ قال : والله ما أحد أدبني ، إلا أنني إذا رأيت جهل الجاهل اجتنبت الجهل ، وإذا رأيت حماقة الأحمق اجتنبت الحمق ، فكل صفة ذميمة في الإنسان إذا رأيتها واستقبحتها عليك ألا تفعلها ، والإنسان بملاحظاته الدقيقة ومراقباته الحصيفة يستطيع أن يؤدب نفسه .
((والسعيد من وعظ بغيره ))
هذا الذي أكل المال الحرام ما نهايته ؟ هذا الذي زنا ماذا كانت حصيلة هذا العمل ؟ هذا الذي استكبر . هذا الذي طغى ، هذا الذي بغى . إن رأيت الصفات الذميمة التي تبدو على الكافر ، أو على المنافق ، أو على العاصي ، أو رأيت نهاية هؤلاء ينبغي أن تؤدب نفسك بنفسك ، والسعيد من اتعظ بغيره .
حضر رجل من الحكماء دفنَ ميتٍ ، فقال : إن أمراً هذا أوله لحري أن يُخاف آخره . ماذا بعد الموت ؟ . . ثم قال : وإن أمراً هذا آخره لحري أن يُزهد في أوله . وقال بعضهم : إن الموت أفسد على أهل النعيم نعيمهم . وفي الحديث :
((أكثروا ذكر هادم اللذات ، مفرق الأحباب مشتت الجماعات ))
((عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارق ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به))
العبرة في النهاية لا في البداية :
((والأمر بآخره ))
والعاقبة للمتقين ، العبرة في النهايات لا في البدايات ، العبرة من يضحك آخراً لا أولاً ، والأمر بآخره ، وملاك العمل خواتيمه .
﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً ﴾
العبرة لا في الدخول بل في الخروج . أن تدخل في عمل ولك نية عالية وأن تخرج منه والنية هي هيَ .
توافق رؤية المؤمن مع ما يراه الله في القرآن :
أيها الأخوة الكرام :
((وكل ما هو آت قريب ))
الله جلّ جلاله وصف أهل الكفر ، فقال :
﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً ﴾
فإذا كانت رؤيتك متوافقة مع ما يراه الله في القرآن فأنت مؤمن ، وإذا كانت رؤيتك مناقضة لما يراه الله في القرآن فأنت غير مؤمن ، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً .
الابتعاد عن سباب المؤمن و قتاله :
((سباب المؤمن فسوق ، وقتال المؤمن كفر ، وأكل لحمه من معصية الله تعالى))
هؤلاء الذين ينهشون أعراض الناس ، ويغتابونهم ، ويطعنون بهم لا لشيء إلا حسداً من عند أنفسهم ، هؤلاء إن طعنوا بهم فهذا عمل فيه فسق كبير ، وإن قاتلوهم فهم كفار.
((وحرمة ماله كحرمة دمه))
توهم الناس أن الشاطر هو الذي يأخذ ما ليس له ، لا . . هذا هو الغبي ، هذا هو الأحمق ، لأن حرمة مال المؤمن كحرمة دمه ، أيجوز لك أن تقتله ؟ لا . كذلك لا يجوز أن تأكل ماله حراماً ، ومن أكل المال الحرام أن تغشه في البيع والشراء ، أن تدلس عليه ، أن توهمه ، أن تغير في صفة المبيع .
التواضع و عدم التآلي على الله :
((ومن يتألَّ على الله يكذبه))
يجلس رجل في بلد آخر مع أصدقاء له ، قال متألياً على الله : إنني لن أموت إلا بعد أمد طويل . فقالوا : ولمَ ؟ قال : لأنني أمارس الرياضة ، ولأنني لا أدخن ، ولا آكل كثيراً، ولا أعبأ بهموم الحياة ، قال هذه الكلمة يوم السبت ، وفي السبت الثاني كان تحت الأرض مدفوناً .
لا تتألَّ على الله ، سمع النبي امرأة تقول : هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله هذا تألّ على الله ، قال :
((...أما هو فقد جاءه اليقين فوالله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ماذا يفعل بي ، قالت: فوالله ما أزكي بعده أحداً أبدا))
((ومن يتألّ على الله يكذبه ))
فلان في النار . . من أدراك ؟ . سحرة فرعون جاؤوا ليكيدوا للحق ، سحرة فرعون بعد دقائق أصبحوا من الصديقين ، هذا الذي يعصي الله لمَ تقول هو في النار ؟ من أدراك قد يتوب ويسبقك في طريق الإيمان ؟ كن متواضعاً ، كن أديباً .
العفو والمغفرة و كظم الغيظ من صفات المؤمن :
((ومن يتأل على الله يكذبه ، ومن يغفرْ يغفرِ الله له))
هؤلاء الذين لا يغفرون ، لا يسترضون ، هؤلاء بعيدون عن رحمة الله عز وجل .
((ومن يغفرْ يغفرِ الله له ، ومن يعف يعف الله عنه))
عن الحرام ، وعن المطامع ، والإيمان عفة عن المطامع ، عفة عن المحارم . ومن يعف يعفه الله عز وجل بالحلال .
((ومن يكظم الغيظ يأجره الله ، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله ، ومن يتبع السمعة))
يحب السمعة بين الناس ، يحب المجد الشخصي ، يحب الرفعة بين الناس ، يسمع الله به . وليس له في الآخرة من خلاق .
((ومن يصبر يضعف الله له ، ومن يعص الله يعذبه))
(اللهم اغفر لي ولأمتي ، اللهم اغفر لي ولأمتي ، أستغفر الله لي ولكم))
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ذكر الموت من الأعمال اليومية التي ينبغي ألا تغيب عن أذهاننا :
أيها الأخوة الكرام ؛ في صحيح ابن حبان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب بذكر الله))
فهل الموت باختيارك ؟ في هذا الحديث كما يقول علماء البلاغة لفتة بلاغية طريفة ، مادام الموت ليس باختيارك يجب أن تكون دائم الذكر لله ، حتى إذا جاء الموت كنت تذكر الله :
((أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب بذكر الله))
(إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا ، قَالُوا : وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : حِلَقُ الذِّكْرِ))
أي مجلس علم يُذكر الله فيه ، تُذكر آياته الكونية ، تُذكر آياته التكوينية – أفعاله- تُذكر آياته القرآنية ، تُذكر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فهذه من حلق الذكر ، وأفضل الذكر لا إله إلا الله ، لأنك إن ذكرت الله ذكرت وحدانيته و ابتعدت عن طاعة غيره ، أما إذا غفلت عن وحدانيته ، ورأيت فلاناً وعلاناً ربما كانت الغفلة سبباً لمعصية الله . وقال عليه الصلاة والسلام :
(( أَلا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ - لأنها تبعد عن الله عز وجل - مَلْعُونٌ مَا فِيهَا - طعامها ، وشرابها ، وزينتها ، وبيوتها ، وأسواقها ، ونساؤها - إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ ، وَمَا وَالَاهُ ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ))
إذا كنت طالب علم فأنت مبارك ، وإذا ذكرت الله في كل مجالسك فأنت مبارك :
((أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ ، وَمَا وَالَاهُ ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ))
((إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ ، وَاسْتَغْفَرَ ، وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾))
((أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت ، وأفضل العبادة التفكر ، فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة))
ذكر الموت بشكل دوري هو الذي يزهدك في الدنيا . من أثقله ذكر الموت : أي من أقلقه ، من حمله على الطاعة . نذكر الموت لئلا نشقى بعد الموت ، أما إذا غفلنا عن الموت لئلا نحزن شقينا بعد الموت . ويقول عليه الصلاة والسلام :
((أفضلكم الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى لرؤيتهم))
وأولياء الشيطان إذا رؤوا اقترفت المعاصي برؤيتهم .
أيها الأخوة الكرام ؛ ويقول عليه الصلاة والسلام في أحاديث ثلاثة عن الموت :
((أكثروا ذكر هادم اللذات ، فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه))
إذا ذكرت الموت وأنت في ضيق من العيش وسعه الله عليك ، وإذا كنت في بحبوحة كبيرة ، وذكرت الموت رأيت النهاية الحتمية وهي فقد كل شيء . فلذلك من الأعمال اليومية التي ينبغي ألا نغيب عنها أن نذكر الموت ، لا متشائمين ، ولكن حذرين .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾
لئلا تأتي ساعة لا ينفع فيها الندم .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .